إسلام

القبر و أحوال البرزخ

ذكر أحوال البرزخ : الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. 

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )

أما بعد:

أحوال البرزخ

إن الدور التي تمر بالإنسان، ويمر بها ثلاث لا رابعة لها:

دار الدنيا، ودار البرزخ، والدار الآخرة، ولكل دار خصائصها وأحكامها التي تميزها عن غيرها، فالدنيا ظل زائل وهي دار الفناء ومتاع الغرور.

كما في قوله تبارك وتعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)

وقال صلى الله عليه وسلم: الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة. رواه مسلم

وما هذه الدنيا وإن جل قدرها سوى مهلة نأتي لها ونروح، والدار الآخرة هي الحياة الحقيقية.

قال تبارك وتعالى: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)

وبين الدارين دار البرزخ، وهي مرحلة متوسطة بين الدنيا والآخرة، وهي تأخذ من أحكام هذه ومن أحكام هذه.

ذلك لأن الإنسان مركب من الروح والجسد، فأحكام الدنيا على الأبدان والأرواح تبعاً لها، وأحكام البرزخ على الأرواح والأبدان تبعاً لها، وفي الآخرة يكون النعيم أو العذاب على الأرواح والأبدان جميعاً.

ولعلي أتحدّث قبل الدخول في الموضوع حول مسألة مهمة، كانت من المُسلَّمات عند سلف الأمة، ألا وهي ثبوت عذاب القبر ونعيمه، وهذه المسألة مما أنكرته المُعتّزِلة، وأنكرها بعض العصرانين ممن يتصدّرون للفُتيا عبر القنوات، أو قُل ممن تُصدِّرهم الفضائيات، وتُبرِزُهم على حساب العلماء الصادقين المخلصين.

وقد بلغني أن مُعَمَّمَاً قال في إحدى القنوات أنه لا يوجد آية ولا حديث تدلّ على إثبات عذاب القبر.

وقد أُكـره أحد العلماء في الصلاة على أحد شيوخ المعتزلة، فقال في صلاة الجنازة: اللهم إنه يُنكر عذاب القبر فأذقه إياه. 

أقوال العلماء حول أحوال البرزخ

أقول مُستعيناً بالله:

لا بُد أن يُعلم أن إثبات عذاب القبر ونعيمه من عقيدة أهل السنة والجماعة، قال الإمام الطحاوي رحمه الله: ونؤمن بملك الموت، الموكّل بقبض الأرواح وبعذاب القبر لمن كان له أهلا وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله وعن الصحابة رضوان الله عليهم، والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران.

والإيمان بعذاب القبر ونعيمه داخل في الركن الخامس من أركان الإيمان، وهو الإيمان باليوم الآخر. فالقبر أول منازل الآخرة.

ولا يستقيم إيمان عبد حتى يأتي بالستة الأركان وهي:

الإيمان بالله وملائكته وكُتُبه ورسُله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعّمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحياناً، ويحصل له معها النعيم أو العذاب، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد وقاموا من قبورهم لرب العالمين.

ثبوت أحوال البرزخ في القرآن

وأما ثبوت عذاب القبر في القرآن الكريم:

فقال سبحانه: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) 

قال قتادة في قوله تعالى: (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) قال: صباحَ ومساءَ الدنيا، يُقال لهم: يا آل فرعون هذه منازلكم توبيخا ونقمة وصغاراً لهم.

وقال ابن زيد: هم فيها اليوم يُغدى بهم ويُراح إلى أن تقوم الساعة .

قال ابن كثير: وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور.

وقال جلّ ذِكرُه: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)

قال مجاهد في تفسير هذه الآية: هو عذاب القبر. 

وورد خلاف ذلك عن جماعة من السلف.

ولا إشكال في ذلك فهو محتَمَل، كما أنه لا إشكال في ختم الآية بقوله: (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)

يعني: لِمَا يَعْلَمون من عذاب القبر، وتُدركه سائر المخلوقات على ما سيأتي بيانه.

وقال عز وجل: (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)

قال ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية: وهذا يحتمل أن يراد به عذابهم بالقتل وغيره في الدنيا، وأن يراد به عذابهم في البرزخ وهو أظهر لأن كثيرا منهم مات ولم يعذب في الدنيا أو المراد أعم من ذلك.

وفي قوله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)

قال أبو سعيد: يُضيّق عليه في قبره حتى تختلف أضلاعه فيه .

أحوال البرزخ وقول الإمام البخاري

وقال الإمام البخاري: باب ما جاء في عذاب القبر، وقوله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ)

قال: هو الهوان، وقوله جل ذكره: (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ)

ثم ساق بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: عذاب القبر حق. 

الحسن البصري

وقال الحسن البصري رحمه الله في تفسير هذه الآية – أعني قولَه تعالى: سنعذبهم مرتين – قال: عذاب الدنيا وعذاب القبر.

وقال سبحانه: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)

قال مجاهد: ما بين الموت إلى البعث.

قال ابن القيم في قوله تعالى: (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)

هذا في دورهم الثلاث ليس مختصا بالدار الآخرة، وإن كان تمامه وكماله وظهوره إنما هو في الدار الآخرة، وفي البرزخ دون ذلك كما قال تعالى: (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ) .

فالأبرار في نعيم في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة، والفجار والكفار في جحيم في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة. 

فهذه الآيات وغيرها مما استدلّ به أهل السنة على ثبوت عذاب القبر.

وأما الأحاديث الواردة في عذاب القبر فهي كثيرة. 

قال ابن كثير: وأحاديث عذاب القبر كثيرة جداً.

ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوّذ بالله من عذاب القبر في كلّ صباح ومساء

قال عبد الرحمن بن أبي بكرة لأبيه: يا أبت إني أسمعك تدعو كل غداة: اللهم عافني في بدني اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت، تُعِيدها ثلاثا حين تصبح، وثلاثا حين تمسي.

وتقول: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، لا إله إلا أنت، تعيدها حين تصبح ثلاثاً، وثلاثاً حين تمسى.

قال: نعم يا بنى إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهن، فأحب أن أستنّ بسنته. رواه الإمام أحمد وأبو داود

وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتعوّذ بالله من عذاب القبر دُبُرَ كلِّ صلاة.

روايات العلماء حول أحوال البرزخ

فقد روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا، وفتنة الممات

وفي رواية: قالت: وما صلى صلاة بعد ذلك إلا سمعته يتعوّذ من عذاب القبر.

وعنها رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تشهّد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال. رواه البخاري ومسلم

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُعلِّمهم هذا الدعاء كما يُعلِّمهم السورة من القرآن، يقول: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات. رواه مسلم

قول ابن عوف حول أحوال البرزخ

وقال عوف بن مالك صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة، فَحَفِظْتُ من دعائه وهو يقول: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرِم نُزَله، ووسِّع مُدْخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونَقِّه من الخطايا كما نَقّيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبْدِلْه داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، أو من عذاب النار. قال: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت. رواه مسلم

إذا عُلِمَ هذا فإن ما يتعلّق بالقبر من عرض وفتنة وسؤال، عذاب ونعيم، هو من عِلْم الغيب الذي لا نَعْلَم كيفيّته، ويجب علينا الإيمان به والتسليم فيه لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنؤمن به من غير سؤال عن كيفيّته، وكيف يقع؟ لأن عقولَنا قاصرة عن إدراك ذاتها، فكيف تُدرك ما حُجِبَ عنها؟

قال ابن القيم: أحاديث عذاب القبر ومساءلة منكر ونكير كثيرة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن أبي العز: وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلاً، وسؤال الملكين، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك، والإيمان به، ولا نتكلّم في كيفيته، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته لكونه لا عَهْد له به في هذه الدار، والشرع لا يأتي بما تُحِيلة العقول، ولكنه قد يأتي بما تَحَار فيه العقول.

عذاب القبر

1 – أن النائم قد يرى في منامه أنه يُنعّم، وإلى جواره آخر يرى أنه يعذّب، ولا يشعر أحدهما بما يجري لصاحبه، كما أنه لا يُدرِك ذلك سوى صاحب المنام.

قال ابن القيم: ما أخبر به الرسول من عذاب القبر ونعيمه وضيقه وسعته وضمِّه وكونه حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة مطابق للعقل وأنه حق لا مِرْيَة فيه، وأن من أشكل عليه ذلك فمن سوء فهمه وقِلّة علمه أُتيَ، كما قيل: 

وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم 

2 – أن العذاب يُمكن أن يقع على الأجساد حتى ولو أرِمَتْ وتبعثرت وتناثرت، ويدلّ على ذلك ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أسْرَف رجل على نفسه، فلما حضره الموت أوصى بنيه، فقال: إذا أنا متّ فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم أذروني في الريح في البحر، فوالله لئن قَدَرَ عليّ ربي ليعذبني عذابا ما عذبه به أحداً، قال: ففعلوا ذلك به، فأمَرَ الله البَرّ فَجَمَع ما فيه، وأمَر البحر فجَمَع ما فيه، فإذا هو قائم، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: خشيتك يا رب، أو قال مخافتك، فغُفِر له بذلك.

فالذي جمَعَ أجزاء جسمه المتحللة في الهواء والماء، قادر على أن يوقع العذاب على كلّ ذرّة من جسمه في أي مكان كان، ذلك أنه (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ)

وقد تكلّم العلماء على هذه المسألة وضربوا لها الأمثلة بالذي يموت غرقاً في الماء، أو حرقاً بالنار، بل حتى المصلوب، ومن أكلته السباع، إن كان ممن استحق عذاب القبر، وأراد الله عذابه فإنه سبحانه لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

وأما الروح فلا إشكال في وقع العذاب عليها؛ لأنها باقية.

3 – أن عذاب القبر مما تُدركه المخلوقات غير الإنس والجن، لقوله صلى الله عليه وسلم عن الكافر أو المنافق: ثم يُضرب بِمِطرقة من حديد بين أُذنيه، فيصيحُ صيحةً يَسمعها من يَلِيْه إلا الثقلين. رواه البخاري وقد تقدم

وقال صلى الله عليه وسلم عن أهل القبور: إنهم يُعذّبون عذاباً تسمعه البهائم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولهذا السبب يذهب الناس بِدَوابِّهم اذا مُغِلَت الى قبور اليهود والنصارى والمنافقين كالاسماعيلية والنصيرية وسائر القرامطة من بنى عبيد وغيرهم الذين بأرض مصر والشام وغيرهما، فإن أهل الخيل يقصدون قبورهم لذلك، كما يقصدون قبور اليهود والنصارى، والجهال تَظن أنهم من ذرية فاطمة، وأنهم من أولياء الله، وإنما هو من هذا القبيل، فقد قيل: إن الخيل اذا سمعت عذاب القبر حصلت لها من الحرارة ما يَذهب بالمغل.

وقد حدّثني بعض المسلمين الذين يُقيمون في بلاد الكفار، أن الكفار الذين يدفنون موتاهم بالتوابيت مدة معلومة ثم يجمعون عظامهم بعد ذلك في مكان واحد، ثم تُستخدم التوابيت في دفن آخرين، وأنهم يجدون في التوابيت آثار أظفار وخدوش على جدران التوابيت، وهم يعتقدون أن سبب ذلك أن من الأموات من دُفِنَ حيّاً.

وإنما هو من عذاب القبر، ولعل قوله تعالى: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) يدلّ عليه.

4 – أن سماع عذاب القبر ليس مستحيلاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: فلولا أن لا تَدَافنوا لدعوت الله أن يُسمِعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه. رواه مسلم، وقد تقدّم.

فما تَرَك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سؤال الله أن يُسمع هذه الأمة من عذاب القبر إلا خشية ألا يتدافنوا. ولما كانت الحكمة مُنتفية في حق البهائم أُسْمِعت عذاب القبر.

أحوال الناس في البرزخ

وأما أحوال الناس في أحوال البرزخ فعلى أنواع:

أحوال البرزخ والأنبياء

وهم أعلى الناس منزلة في قبورهم وهم الأنبياء، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء.

أحوال البرزخ والشهداء

فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل: ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة . أي لما كان يُقاتِل. رواه النسائي وهو حديث صحيح 

ولما حَفَر جابر بن عبد الله قبر أبيه، وكان من قُتِل يوم أحد. قال: فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته غير هُنيّةٍ في أُذنه. رواه البخاري

وهؤلاء – أي الشهداء – يُنعّمون في قبورهم، ويأمنون فتنة القبروسؤال المَلَكين.

ويلحق بهذا النوع من يأمن فتنة القبر وعذاب القبر، وهو من مات مرابطاً، ومن مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: من مات مرابطاً في سبيل الله أُجري عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل، وأُجري عليه رزقه، وأمِن من الفتان، وبعثه الله يوم القيامة آمناً من الفزع. رواه ابن ماجه وغيره، وهو حديث صحيح.

وقال عليه الصلاة والسلام: من مات مرابطاً في سبيل الله أمّنَه الله من فتنة القبر.

وكذلك من يموت ليلة الجمعة أو يوم الجمعة، فإنه يأمن فتنة القبر، فمن مات كذلك فإن هذا من المُبشِّرات له، لقوله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر. رواه الإمام أحمد والترمذي، وهو حديث صحيح. 

أحوال البرزخ والمؤمن

مَنْ يُنعّم في قبره، وإن كان يتعرّض للسؤال والامتحان، وهو المؤمن الذي يفتح له باب من الجنة وباب من النار، فيقال هذا كان منزلك لو عصيت الله أبدلك الله به هذا، فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجل قيام الساعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي، فيقال له: اسكن. رواه الإمام أحمد عن البراء بن عازب.

ويُقال له: نَم نوم العروس.

أحوال البرزخ والعاصي

من يُعذّب مدة ثم ينقطع عنه العذاب، وهو عذاب بعض العُصاةِ الذين خفّت جرائمُهم، فيُعذّب بحسب جُرمه ثم يُخفف عنه العذاب.

وهذا قد عدّه بعض العلماء من المكفِّرات العشر التي تُكفّر بها السيئات.

أحوال البرزخ والكافر

من عذابه دائم غير منقطع، كما هو الحال في الكفار، وكما تقدّم في حقّ آل فرعون، فإنهم يُعرضون على النار صباح مساء.

وفي حديث البراء وهو حديث طويل، رواه الإمام أحمد وغيره قال صلى الله عليه وسلم في شأن الكافر أو المنافق: ثم يُفتح له باب من النار، ويُمْهَد له فِراش من النار.

وفيه: وإن الكافر – فذكر موته – ثم قال: وتُعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان: من ربك؟ فيقول هاه هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول هاه هاه لا أدري، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بُعِثَ فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيُنادي منادٍ من السماء أنْ كَذَب، فافِرشوه من النار، وألبِسوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، قال: فيأتيه من حرِّها وسمومها، قال: ويُضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه – زاد في حديث جرير-قال: ثم يُقيِّض له أعمى أبكم معه مرزبةٌ من حديد لو ضُرب بها جبل لصار تُرابا، قال: فيضربه بها ضربه يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين، فيصير تراباً، قال: ثم تُعاد فيه الروح. رواه أحمد وأبو داود واللفظ له.

قال ابن القيم عن حديث البراء: هذا حديث ثابت مشهور مستفيض، صحّحه جماعة من الحفاظ، ولا نعلم أحدا من أئمة الحديث طَعَن فيه، بل رووه في كتبهم، وتلقّوه بالقبول، وجعلوه أصلاً من أصول الدين في عذاب القبر ونعيمه، ومساءلة منكر ونكير وقبض الأرواح وصعودها إلى بين يدي الله ثم رجوعها إلى القبر.

والميّت يُعرض عليه مقعَده ومنزله في كل يوم مرتين:

مصداق ذلك في كتاب الله في الآية المذكورة في عذاب آل فرعون. 

وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي؛ إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يُقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة. رواه البخاري ومسلم 

فَيَزداد العبد بشارة وسروراً وفرحاً إن كان من أهل الجنة، ويزداد حسرة وألماً وندَماً إن كان من أهل النار.

السؤال في القبر

أعني به سؤال الملكين للمقبور، والأسئلة معروفة، وقد ثبت في أسماء الملكين أنهما منكر ونكير، وثبت في وصفهما أنهما أسودان أزرقان.

أما ما يُروى من أنهما يحفران الأرض بأنيابهما ويطآن في أشعارهما، وأن أعينهما كالبرق الخاطف، و أصواتهما كالرعد القاصف. فهذا حديث موضوع مكذوب.

وأما ما يتعلّق بسؤال الملكين، فهو ثابت في الصحيحين وغيرهما.

فَعَن أنس بن مالك قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم قال: يأتيه ملكان فيُقعدانه، فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل؟ قال: فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، قال: فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعاً. رواه البخاري ومسلم

زاد البخاري قال: وأما المنافق والكافر فيقال له:ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس. فيُقال: لا دريت ولا تليت، ثم يُضرب بمطرقة من حديد بين أُذنيه، فيصيحُ صيحةً يسمعها من يليه إلا الثقلين.

وقد أوصى عمرو بن العاص رضي الله عنه، فقال: فإذا أنا متّ فلا تصحبني نائحة، ولا نار، فإذا دفنتموني فشُنّوا علي التراب شَنّـاً، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تُنحر جَزور ويُقسم لحمها، حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رُسُل ربي. رواه مسلم

هل يسمع الميت

والميّت يسمع بعد الدّفن:

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الميت إذا وضع في قبره إنه ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا.

لكن كيفية السّماع لا نعلمها لأنها ليست من جنس سماع الدنيا، وكذلك عودة روحه إلى جسده ليست من جنس تعلّق الروح بالبدن في الدنيا.

سؤال التّثبيت للميت

هذه الأمة تُفتن في قبورها، كما قال عليه الصلاة والسلام.

فقد روى البخاري ومسلم عن أسماء قالت: أتيت عائشة وهي تصلي، فقلت: ما شأن الناس؟ فأشارت إلى السماء، فإذا الناس قيام، فقالت: سبحان الله. قلت: آية ؟ فأشارت برأسها أي نعم، فقمت حتى تجلاّني الغشي، فجعلت أصب على رأسي الماء، فحمد اللهَ عز وجل النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه ثم قال: ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في مقامي حتى الجنة والنار، فأوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريب من فتنة المسيح الدجال، يُقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو الموقن، فيقول: هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا واتبعنا، هو محمد ثلاثاً، فيُقال: نَم صالحاً، قد علمنا إن كنت لموقناً به، وأما المنافق أو المرتاب – لا أدري أي ذلك قالت أسماء – فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.

وروى البخاري ومسلم أيضا عن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أُقعد المؤمن في قبره أُتيَ ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ)

وفي رواية لهما: أن هذه الآية نزلت في عذاب القبر.

وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يُسأل. رواه أبو داود وغيره، وهو حديث صحيح.

ضمة القبر وضغطته: 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن للقبر ضغطة، ولو كان أحدٌ ناجياً منها لنجا منها سعد بن معاذ. روى الإمام أحمد وغيره، وصححه الألباني

فهذا الحديث يدلّ على أنه لا ينجو من ضغطة القبر أحـد، إلا أن بعض العلماء استثنى الأنبياء من ذلك.

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: هذه الضمّة ليست من عذاب القبر في شيء، بل هو أمر يَجِدُهُ المؤمن كما يَجِد ألَمَ فَقْدِ ولده وحميمِه في الدنيا، وكما يَجِد من ألم مرضه وألم خروج نفسه وألَم سؤاله في قبره وامتحانه، وألم تأثره ببكاء أهله عليه وألم قيامه من قبره، وألم الموقف وهوله، وألم الورود على النار، ونحو ذلك فهذه الاراجيف كلها قد تنال العبد وما هي من عذاب القبر ولا من عذاب جهنم قط، ولكن العبد التّقِيّ يَرفق الله به في بعض ذلك أو كُلِّه، ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه. قال الله تعالى: وأنذرهم يوم الحسرة، وقال: وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر. فنسأل الله تعالى العفو واللطف الخفي. ومع هذه الهزّات فَسَعْدٌ ممن نعلم أنه من أهل الجنة وأنه من أرفع الشهداء رضي الله عنه. كأنك يا هذا تظن أن الفائز لا يناله هَول في الدارين، ولا روع، ولا ألم، ولا خوف؟ سَل ربك العافية، وأن يحشرنا في زُمرة سعد.

الاستعداد للحياة البرزخية

1 – إن من أيقن وآمن بأن القبر منزله وإن طالت به الحياة، وأنه سوف يُسأل عن ربِّه ودينه ونبيِّه، من آمن بذلك وجب عليه الاستعداد للسؤال، بل ويُعدُّ للسؤال جواباً، ولا بُدّ أن يكون الجواب صواباً، ويظنّ بعض الناس أنه إذا كان يعرف الجواب في هذه الدنيا فسوف يُجيب على أسئلة المَلَكين، وليس الأمر كذلك، فإنهما ملكان عظيمان يَفزع لهول منظرهما من رآهما، وكم من طالب دخل الامتحان وهو واثق من نفسه وأجوبته ثم أُصيب بقلق واضطراب أذهب عنه جميع المعلومات، وهو يقف بين يدي بشرٍ مثله، ولذا قال الله عز وجل: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ)

2 – الابتعاد عما يكون سبباً في عذاب القبر، فقد مَـرّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: أمَا إنـهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله. رواه البخاري ومسلم

فالنميمة من أسباب عذاب القبر، وهي نقل الكلام بين الناس على سبيل الإفساد وكذا عدم الاستتار من البول، وعدم التّنزّه منه.

وهذه الأمور مما يتساهل فيها الناس، ولذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: وما يُعذّبان في كبير، ثم قال: بلى. أي إنه لكبير عند الله، ولكنه ليس كذلك عند الناس.

ثم أخذ جريدة فشقّها باثنتين، ثم وضع على كل قبر واحدة، ثم قال: لعلّه يُخفف عنهما ما لم ييبسا.

ومن أسباب عذاب القبر نياحة الأحياء على الأموات، لقوله صلى الله عليه وسلم: الميت يعذب في قبره بما نِيحَ عليه. رواه البخاري ومسلم

قال العلماء: هذا إذا كان النَّوحُ من عادته، أو من عادة أهله، وكان يراهم ويعلم ذلك منهم حال حياته، ولم يكن ينهاهم عن ذلك، ولذا لما طعن عمر رضي الله عنه أغمي عليه، فصيح عليه، فلما أفاق قال: أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت ليعذب ببكاء الحي. رواه البخاري ومسلم

3 – من الأمور التي يُستعدّ بها للحياة البرزخية: حفظ وتلاوة سورة تبارك، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر. رواه الحاكم وغيره، وحسّنه الألباني

ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ سورة تبارك وسورة السجدة، كما في المسند والأدب المفرد للبخاري وسُنن النسائي، وهو حديث صحيح.

4 – اتِّباع الجنائز وزيارة القبور، فإنها تُذكّر بالآخرة، كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

فإن المسلم إذا زار المقابر، ورأى كثرة القبور، وأنه لا فرق فيها بين غني وفقير، وأمير ومأمور، عَلِمَ أن الزاد لتلك الحُفَر هو العمل الصالح.

وقد ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال – في المؤمن إذا وُضِعَ في قبره – قال: ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت تُوعد، فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجئ بالخير فيقول: أنا عملك الصالح. رواه الإمام أحمد وغيره، وقد تقدّمت الإشارة إليه 

وفي المقابل فإن الكافر يأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه يجئ بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث.

فَمَن علِمَ أن عملَه هو جليسُه في قبره حرص على إتقان العمل وتحسينه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

5 – الحرص على أكل الحلال، وتجنّب أكل الحرام من الربا والغش والتدليس في المعاملات وغيرها، وقد أوصى جُندب بن عبد الله أصحـابَـه فقال: إن أولَ مـا يُنْتِن من الإنسان بطنُه، فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبا فليفعل. رواه البخاري 

6 – الاجتهاد في إخلاص العملِ لله سبحانه، فإن العمل الصالح لا ينفع صاحبه إلا إذا كان خالصاً لله، وإلا فإنه يخونه أحوج ما يكون إليه.

تربية الأولاد التربية الإيمانية

فإن الولد الصالح مما ينفع والديه حتى بعد موتهما، لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث – وذكر منها -: أو ولدٍ صالحٍ يدعو له. رواه مسلم

8 – إذا مررت بالقبور فتذكّر حُفرتَك، وقد كان السَّلف إذا رأوا الظُّلمَة تذكّروا ظُلمَة القبور، وكان عثمان بن عفان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فيقال له: قد تَذْكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ فيقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه

قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: 

من كان حين تصيب الشمس جبهته أو الغبارُ يخاف الشين والشعثا

ويألف الظل كي تبقى بشاشته فسوف يسكن يوما راغما جدثا

في قعــر مظلمـة غبراء موحشة يطيل في قعـرهـا تحت الثرى اللَّبَثَا

تجهزي بجهاز تبلغين بـــه يا نفس قبل الرّدى لم تُخلقِـي عبثا

أن مَن سكن القبور فإن مآله إلى البعث والنشور .

سَمِعَ أعرابيٌّ قارئاً يقرأ: ألهاكم التّكاثر حتى زرتم المقابر، فقال: بعثٌ وربّ الكعبة. لأنه لا بد للزائر أن يرتحل.

هل تفكّرت ما مصيرك بعد الموت؟

الموت باب وكل الناس داخله ياليت شعري بعد الباب ما الدار

الدار جنة عدن إن عملت بما يُرضي الإلـه وإن خالفت فالنار 

وقد قيل: 

اتفرح والمنية كل يوم تُريك مكان قبرك في القبـور 

هي الدنيا وإن سرتك يوما فإن الحزن عاقبة السرور 

هل أنت مُستعدٌّ لتلك الخمسة الأشبار؟

ألم تسمع أماني المفرطين عندما يقفون بين يدي رب العالمين؟

قال الله جل جلاله عن أمنية المفرّط: (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)

حُرمة الميت في قبره

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كسر عظم الميت، ككسره حياً. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم، وهو حديث صحيح.

ومما يقع فيه بعض الناس، ويدخل في هذا الباب:

الجلوس على القبور

وهذا لا شك أن فيه انتهاكاً لحُرمةِ المقبور. وقد قال رسول الله : لا تُصلُّوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها. رواه مسلم

وقال صلى الله عليه وسلم: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتُحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس ( وفي رواية أو يطأ ) على قبر. رواه مسلم

المشي بالنعال بين القبور

وهذا كثير لمن تأمله، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يمشي بنعليه بين القبور، فقال: يا صاحب السبتيَّتين ألقهما، فنظر الرجل، فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلع نعليه فرمى بهما. 

قال عبد الرحمن بن مهدى: كنت أكون مع عبد الله بن عثمان في الجنائز فلما بلغ المقابر حدثته بهذا الحديث، فقال: حديث جيد، ورجل ثقة، ثم خلع نعليه، فمشى بين القبور. 

وقد ورد الوعيد الشديد على المشي على القبور، فقال عليه الصلاة والسلام: لأن أمشي على جمرة أو سيف أو أخصف نعلي برجلي أحب إلي من أن أمشي على قبر مسلم، وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق. رواه ابن ماجه بسند صحيح.

وقد كان ذكر الآخرة ومنازلها كثير في خُطب سلف هذه الأمة.


المصادر

الشيخ عبد الله السحيم / أحوال البرزخ

^

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى