ألمانيا العظمى و حروب بسمارك الثلاثة : في مدينة هامبروج الألمانية يبرز نصب تذكاري مهيب لأوتو فون بسمارك المستشار والسياسي البارع والذي يعتبره الشعب الألماني بطلهم القومي .
بعد أن حول ألمانيا بدهائه السياسي من إمارات صغيرة إلى دولة موحدة قوية ، مستحقاً بذلك لقب المستشار الحديدي .
خطة توحيد ألمانيا العظمى
كانت ألمانيا حتى ستينيات القرن التاسع عشر عبارة عن أكثر من 39 ولاية مستقلة في ما عرف آنذاك بالاتحاد الألماني .
يحدها من الشرق الإمبراطورية الروسية ، و من الغرب هولندا ، و من الجنوب الغربي فرنسا ، و من الشمال الدنمارك و السويد .
امتلكت ولايتا النمسا و بروسيا زمام الأمور في الاتحاد الألماني ، و تولى أوتو فان بسمارك منصب رئيس الوزراء و وزير خارجية بروسيا .
التي خاضت في عهده ثلاثة حروب خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 1864 و 1871 ضد الدنمارك و النمسا و فرنسا ، قادت تلك الحروب إلى قيام الإمبراطورية الألمانية .
الحرب مع الدنمارك
كانت الحرب مع الدنمارك أولى الحروب التي خاضتها بروسيا في إطار سعي الألمان لإنشاء الدولة العظمى التي يأملون قيامها .
حيث كان الدنماركيون يصرون على حكم مقاطعتي شولز أويك و هولشتاين اللتين يقطنهما سكان ألمان و تعود عضوية إحداهما إلى الاتحاد الألماني بموجب معاهدة فيينا التي وقعت عام 1815 .
قضية المقاطعتين كانت ميداناً حاسماً لبسمارك في تنفيذ خطته الحربية ، تحالف مع النمسا و أعلن الحرب على الدنمارك في عام 1864 دون أن يستطيع الجيش الدنماركي الصمود أمام الجيشين البروسي و النمساوي .
لكن النمسا كانت حليفة مؤقتة بالنسبة لبروسيا مع استمرار المنافسة بين الجانبين في فرض السيطرة على باقي الدويلات الألمانية .
في نظر بروسيا الزعامة لها وحدها و عليها إجبار النمسا على الاعتراف بهذه الزعامة ولو بالقوة .
الحرب مع النمسا
أقنع بسمارك نابليون الثالث ملك فرنسا آنذاك بأن تلتزم بلاده الحياد في حال وقوع حرب بين النمسا و بروسيا .
كما عقد اتفاقاً تحالف فيه مع الإيطاليين الذين كانوا يريدون استرداد البندقية من النمسا ، و بذلك يأمن بسمارك جانب الدول من جهة و تبقى النمسا معزولة عنها من جهة أخرى .
تصاعدت حدة التوتر البروسي النمساوي حول تنصيب الملك الذي سيعتلي عرش الدنمارك ، فعرضت النمسا خلافها مع بروسيا على مجلس الاتحاد الألماني في فرانكفورت الأمر الذي اعتبره بسمارك تصرفاً غير لائق .
دعمت بافاريا و ساكسونيا و هانوفر و دويلات ألمانية صغيرة أخرى النمسا ، فاقترحت بروسيا إثر ذلك حل مجلس الاتحاد الألماني وانتخاب جمعية وطنية جديدة تستبعد منها النمسا ، وبدأ بسمارك حربه الثانية .
سارعت بروسيا في شن عملية عسكرية للسيطرة على المناطق الموالية للنمسا شمال ألمانيا في الوقت الذي كانت حليفتها إيطاليا تهاجم الأراضي النمساوية من الجنوب .
و بعد الحرب التي استغرقت ثلاثة أسابيع حسمت النتيجة لصالح الجيش البروسي ، و استطاع احتلال معظم الأراضي النمساوية بفضل الأسلحة المتطورة التي كان يمتلكها .
لكن بسمارك آثر الاعتدال في سلوكه فبدأ مفاوضات صلح مع النمسا في عام 1866 انتهت بتوقيع معاهدة براغ .
و التي استطاع من خلالها عزل النمسا عن الاتحاد الألماني ، و انتزاع بعض الإمارات الألمانية منها كهانوفر و فرانكفورت .
تخلت النمسا بدورها عن أي سلطة لها في جنوب ألمانيا و تعاهدت بعدم التدخل في شؤون ألمانيا الداخلية .
تم تشكيل الاتحاد الألماني الشمالي الذي هيمنت عليه بروسيا ، و شغل فيه بسمارك منصب المستشار و نصب فلهلم الأول ملكاً عليه .
أصبحت لبروسيا الكلمة العليا في الولايات ، و برزت كمملكة تمتلك قوة عسكرية صاعدة في القارة الأوروبية ، و بدأت مشروع توحيد الدويلات الألمانية كافة تحت قيادتها .
أزمة العرش الإسباني
ما إن أنهت بروسيا حربها مع النمسا حتى بدأت الخلافات مع فرنسا القوة العظمى آنذاك تطفو على السطح .
تنبهت فرنسا إلى تنامي قوة بروسيا و خشيت من طموحها في ضم الولايات الألمانية الجنوبية إلى الاتحاد الشمالي .
و صار حلم إنشاء الإمبراطورية الألمانية بالنسبة لفرنسا خطراً لا بد من تحجيمه .
في البلد المجاور ، إسبانيا ، نجحت الثورة و أصبح العرش الملكي خالياً ، كان الأمير ليوبولد أحد أقرباء ملك بروسيا مؤهلاً ليشغل منصب الملك الجديد في إسبانيا .
الأمر الذي رآه نابليون الثالث في ذلك الوقت خطراً محدقاً . فرفضت فرنسا تنصيب ليوبولد رفضاً قاطعاً فآثر ملك بروسيا الضغط على قريبه ليوبولد ليتخلى عن فكرة اعتلاء عرش إسبانيا .
لكن فرنسا لم تكتفي بتنازل بروسيا عن نفوذها في إسبانيا بل طالبت الملك البروسي فلهلم الأول بتقديم ضمانات لتجنب تكرار أزمة العرش الإسباني .
رفضت بروسيا طلب فرنسا قبل أن يحصل بسمارك على برقية تشرح مجريات المفاوضات التي جرت بين الجانبين .
و في محاولة منه للدفع نحو اندلاع الحرب الثالثة صاغ بسمارك نتائج المفاوضات بشكل يوحي بأن فرنسا هددت بروسيا في حال عدم حصولها على تلك الضمانات ، و أن الملك البروسي رفض ذلك التهديد و أهان السفير الفرنسي .
ألقى بسمارك بياناً للشعب الألماني يخبره بما حدث خلال المفاوضات ، و نشر برقية محورة عنها في الصحف الأوروبية لاستنهاض الشعور القومي لدى الشعوب الألمانية الجنوبية للاتحاد مع الشمال .
الحرب مع فرنسا
رفضت فرنسا خطاب بسمارك و حدث ما خطط له المستشار الألماني في إعلانها الحرب على بروسيا ، فبدا الأمر و كأنه اعتداء فرنسي و أن على ألمانيا الدفاع عن نفسها .
لم تتردد الولايات الألمانية الجنوبية في الدفاع عن الشمال في حربه ضد فرنسا و شهدت جميع أنحاء الولايات استجابة لدعوات حمل السلاح .
تطوع العمال و الفلاحون و حتى المراهقين ، و اتحد جميع الألمان وراء بسمارك .
نشبت الحرب بين بروسيا و فرنسا ، في 19 تموز عام 1870 أنزل الجيش الألماني هزائم متلاحقة بالجيش الفرنسي الذي كان يمتلك أسلحة قديمة مقارنة بالسلاح البروسي الحديث .
استمرت الحرب ستة أشهر أُسر خلالها الملك الفرنسي و حوصرت باريس و قصفت بالمدفعية .
توحد ألمانيا العظمى
انتصرت بروسيا بالحرب ، و فاوضت الولايات الجنوبية على الوحدة و بذلك تكون خطة بسمارك السياسية قد نجحت كما نجحت خطته الحربية .
و في 18 كانون الثاني عام 1871 ، في قاعة المرايا بقصر فيرساي في فرنسا أعلن فلهلم الأول قيصراً للإمبراطورية الألمانية الموحدة .
التي خاض بسمارك لأجل توحيدها حروباً ضخمة مع كبرى جيوش أوروبا في ذلك الوقت ناقلاً فيها بلاده من 39 ولاية مستقلة إلى ألمانيا العظمى الموحدة .
المصدر
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com