فتنة المسيح الدجال هذه أعظم فتنة حذرها الناس مذ خلق الله الناس إلى أن ينفخ النافخ في الصور.
أعظم الفتن على الإطلاق ولذلك لم يكن نبي إلا حذر قومه الدجال يخاف أن يخرج فيهم ونحن آخر الأمم وهو خارج فينا لا محالة. نعوذ بالله منه ومن سائر الفتن.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال:
إني لأن ذكرتموه، وما من نبي إلا وأنذره قومه، لكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه، إنه أعور وإن الله ليس بأعور.
من هو المسيح الدجال
المسيح الدجال فتنة عظيمة لأنه يأتي بآيات وخوارق يمكنه الله منها ويقدره الله عليها، تشتبه على الناس بأنه لا يصنع هذا إلا رب، ولذلك يفتري تلك الفرية العظيمة.
لذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قال: ألا أخبركم عن الدجال حديثاً ما حدثه نبي قومه، إنه أعور وإنه يأتي ومعه مثل الجنة والنار.
وإن التي يقول إنها الجنة هي النار، وإنه أعور ولقد أنذرتكم به كما أنذر به نوح قومه.
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن مع الدجال إذا خرج ماءً وناراً، فالذي يرى الناس أنه نار ماء بارد، والذي يرى الناس أنه ماء فنار تحرق، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في التي يرى أنها النار فإنه ماء عذب بارد.
نسأل الله العافية، اللهب يتلظى، سقر يأتي بها معه، فلا يقذف نفسه فيها إلا موقن إيمانه بما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أوصاف الدجال كما ذكرها رسول الله
وروى مسلم في صحيحه عن النواس بن سمعان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال ذات غداة فخفض في أمره ورفّع، حتى ظنناه في طائفة النخل.
فلما رحنا إليه عرف ذلك في وجوهنا، فقال صلى الله عليه وسلم: ما شأنكم؟ فقلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال غداة، فخفضت في أمره ورفّعت حتى ظنناه في طائفة النخل.
فقال صلى الله عليه وسلم: غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم. وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم.
إنه شاب قطط، هو يصفه لكم، ويعني أنه شديد جعودة الشعر، عينه طافئة كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن. فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف.
وإنه خارج خلة بين العراق والشام، فعاث يميناً وعاث شمالاً، يا عباد فاثبتوا. قالوا: فقلنا: يارسول الله، فما لبثه في الأرض؟ قال: صلى الله عليه وسلم: أربعون يوماً.
يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم. قالوا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيها صلاة يوم؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا، اقدروا له قدره.
قالوا: يا رسول الله، فما إسراعه في الأرض؟ قال صلى الله عليه وسلم: كالغيث استدبرته الريح. يأتي القوم، فيدعوهم فيستجيبون له، ويؤمنون به، فيأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت.
فتروح عليهم سارحتهم أعلى ما كانت ذرى وأسبغهم ضروعاً وأمده خواصر. الذرى الأسنمة تمتلئ وتسمن، وضروعها ممتلئة لبناً وتكاد تنفجر من شدة الامتلاء.
ويأتي القوم، فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين، فقراء ليس في أيديهم شيء من أموالهم. ويمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل.
والكنوز لا تكتفي بالخروج بل تخرج وتتبعه كما يتبع أحدنا فرق النحل إذا ضرب محلتها.
ويدعوا رجلاً ممتلئاً نشاطاً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض، بين النصف والنصف قدر ما يرمي الرامي رمية،ثم يدعوه فيأتيه ووجهه يتهلل يضحك.
رجل هو خير الناس
أسمعتم قط فيما حدثتم به شيئاً من هذا الباب أو شيئاً هذا قبيله؟ ولهذا كانت فتنته عظيمة جداً. نسأل الله الثبات.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً طويلاً عن الدجال، فكان فيما حدثنا به أنه قال صلى الله عليه وسلم:
يأتي الدجال ونقاب المدينة محرمة عليه، سكك المدينة وأزقتها محرمة عليه، بعض السباخ حول المدينة، بعض المواقع قرب المدينة.
فيخرج إليه يومئذ رجلٌ هو خير الناس أو من خير الناس، فيقول له: أشهد أنك أنت الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول الدجال: أرأيت إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر؟
فيقولون: لا. فيقتله ثم يحييه. فيقول الرجل الذي هو خير الناس أو من خير الناس: والله ما كنت قط أشد بصيرة مني اليوم. فيريد أن يقتله الدجال، فيقول: أقتله. فلا يسلط عليه.
قصة تميم الداري
ومن أعظم الأحاديث التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الدجال ما رواه مسلم عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، حديثاً طويلاً وفيه أن فاطمة رضي الله عنها تقول:
فلما انقضت عدتي، سمعت نداء منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة. قالت: فجئت المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم.
فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك. وقال: ليلزم كل امرء مصلاه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال صلى الله عليه وسلم: أما إني ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً فجاء فبايع فأسلم وحدثني حديثاً وافق ما كنت أحدثكم عن المسيح الدجال.
حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهراً، فأرفأوا إلى جزيرة في البحر فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة.
فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلكِ ما أنتِ؟ قال: أنا الجساسة. قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم إنطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بأشواق.
قال: فلما سمت لنا رجلاً فزعنا منها، فرقنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة. فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير، فإذا أعظم رجل رأيناه قط خلقاً، وأشدهم وثاقاً.
لقاء الرجل في الدير
يداه مجموعة إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه في الحديد. فقلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، قد قدرتم يعني سأخبركم خبري هذا شيء قدرتم عليه. لكن أخبروني أولاً من أنتم؟
فقالوا: نحن أناس من العرب. ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب ابنا الموج شهراً حتى أرفأنا إلى جزيرتك، فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة.
فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنتِ؟ قالت: أنا الجساسة. قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق.
قال: ففزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة، فانطلقنا سراعاً إليك. فقال: أخبروني عن نخل بيسان، بيسان هذه موضع في الشام، أسال الله أن يفك الكرب عن المسلمين.
استخباره عن أحوال الناس
قالوا: قلنا: عن أي شأن تستخبر؟ قال: أخبروني عن نخلها هل يثمر؟ قالوا: نعم. قال: اما إنه يوشك ألا يثمر. قال: أخبروني عن بحيرة طبريا. قال: قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟
قال: هل فيها ماء؟ قالوا: نعم، هي كثيرة الماء. قال: أنا إنه يوشك ماؤها أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر. هذه كلها مواضع في الشام. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟
قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها من تلك العين؟ قالوا: نعم، هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها. قال: فأخبروني عن نبي العرب. ماذا صنع؟
قالوا: خرج من مكة ونزل يثرب. فقال: أقاتله العرب؟ قالوا: قلنا: نعم. قال: فماذا صنع بهم؟ قال: فأخبرناه أنه ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. فقال: قد كان ذلك؟ قال: قلنا نعم.
قال: أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه. ثم قال: وإني مخبركم عني. إني أنا المسيح، وإني يوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة.
يكتسح الأرض كلها، يغشيها ويجللها، إلا مكة وطيبة، فإنهما محرمتان علي كلتاهما. كلما أردت أن أدخل واحدة منهما استقبلني ملك بيده السيف سلطاً يصدني عنها. وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نكت بمخصرته في المنبر، أي يضرب بعصاه المنبر: هذه طيبة،هذه طيبة هذه طيبة. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل كنت حدثتكم بذلك؟
قال الناس: نعم. قال: فإنه قد أعجبني حديث تميم، أن وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة. ألا إنه في بحر الشام أو في بحر اليمن.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: لا بل من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو. وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى المشرق.
نزول عيسى بن مريم عليه السلام
أتسمعون، فتنة عظيمة جداً جداً، ثم ربنا سبحانه يتدارك من بقي من عباده الصالحين، وأنتم تعلمون أن خروج هذا المسيح الدجال من علامات الساعة الكبرى، التي إذا ظهرت أولاها تبعتها غيرها كبات العقد ينفرط تتبع الحبة الحبة.
يكفي الله الهم ويتدارك عباده الصالحين، ويقتل المسيح الدجال يقتله المسيح بن مريم عليه السلام.
روى ذلك مسلم في صحيحه مختصراً ورواه الإمام أحمد مطولاً في حديث طويل عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، وفيه أن المسلمين يفرون إلى جبل الدخان بالشام.
فيأتيهم فيحاصرهم فيمتد حصارهم وجهدهم جهداً شديداً، قال: ثم ينزل عيسى بن مريم، فينادى في السحر، كأن المسلمين لا علم لهم بأن عيسى قد نزل، فينادى في السحر: ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟
أيحاصركم ويجهدكم ما يمنعكم أن تخرجوا إليه؟ وهذه فئة من المسلمين في جبل الشام، جبل الدخان، وبعضهم في مكة وبعضهم في المدينة، والأرض كلها تبع للدجال. نسأل الله العافية.
ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟ قال: فيقولون: هذا رجل جني، قال: فينطلقون فإذا هم بعيسى بن مريم. قال: فتقام الصلاة، فيقال لعيسى: يا روح الله، تقدم فصلِ.
فيقول عليه السلام: ليتقدم إمامكم فيصلي بكم. فإذا صلوا خرجوا فإذا رأى عيسى عليه السلام الكذاب، انماث كما ينماث الملح في الماء.
إذا جعلت الملح في الماء ماذا يصنع؟ كذلك يقع لهذا الدجال إذا رآه عيسى عليه السلام. انماث كما ينماث الملح في الماء فيسير إليه فيقتله.
أمر الرسول بالتعوذ من الدجال
إذا علمتم هذا وعرفتم هذا وهذا بعض ما حدثناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن هذا المسيح الدجال، عرفتم لماذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أمته؟
ولماذا كان يأمر أمته أن تستعيذ بالله منه في كل صلاة، فأقل شيء تستعيذ منه خمس مرات، بل بعض العلماء كان إذا لم يذكر لسانه الاستعاذة من الدجال أبطل الصلاة على المصلي وأمره أن يعيدها.
لأنها فتنة عظيمة، فإذا لم يعذك الله فمن يعذك؟ وإذا لم تلجأ إلى الركن الشديد فأين تلجأ؟
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا تشهّد أحدكم فليتعوذ بالله من أربع.
يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال. في كل صلاة.
فلا ينبغي أن تغيب عن أذهانكم ولا أن تعجز عنها ألسنتكم. نسأل الله التوفيق ونعوذ بالله من الفتن.