إسلامشخصيات

ثابت بن قيس ووصيته



وكيف أجيزت وصيته بعد موته

ثابت بن قيس الأنصاري سيد من سادات الخزرج المرموقين ووجه من وجوه يثرب المعدودين.

كان ذكي الفؤاد حاضر البديهة رائع البيان جهير الصوت، إذا نطق فاق القائلين وإذا خطب أسر السامعين.

هو أحد السابقين إلى الإسلام في يثرب، شرح الله صدره للإيمان وأعلى قدره ورفع ذكره بالإنضواء تحت لواء نبي الإسلام.

استقبال ثابت بن قيس الرسول الكريم

لما قدم الرسول صلوات الله وسلامه عليه إلى المدينة مهاجراً، استقبله ثابت بن قيس في كوكبة كبيرة من فرسان قومه، أكرم استقبال.

ورحب به وبصاحبه الصدّيق أجمل ترحيب، وخطب بين يديه خطبة بليغة، افتتحها بحمد الله عز وجل والثناء عليه، والصلاة والسلام على نبيّه، واختتمها بقوله:

وإنا نعاهدك يارسول الله أننا نمنعك مما نمنع عنه أنفسنا وأولادنا ونساءنا، فما لنا لقاء ذلك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الجنة.

فما كادت كلمة الجنة تصافح آذان القوم، حتى أشرقت وجوههم بالفرحة، وزهت قسماتهم بالبهجة وقالوا: رضينا يا رسول الله رضينا يا رسول الله.

ومنذ ذلك اليوم جعل الرسول صلوات الله عليه ثابت بن قيس خطيبه، كما كان حسان بن ثابت شاعره.

خوفه من عقاب الله سبحانه

ولقد كان ثابت بن قيس مؤمناً عميق الإيمان، تقياً صادق التقوى شديد الخشية من ربه، عظيم الحذر من كل ما يغضب الله جل وعز.

فلقد رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم هلعاً جزعاً ترتعد فرائصه خوفاً وخشية، فقال: ما بك يا أبا محمد؟ فقال: أخشى أن أكون قد هلكت يارسول الله قال: ولم؟

قال: لقد نهانا الله جل وعز على أن نُحمد بما لم نفعل، وأجدني أحب الحمد. ونهانا عن الخيلاء وأجدني أحب الزهو.

فما زال الرسول عليه الصلاة والسلام يهدئ من روعه، حتى قال: يا ثابت ألا ترضى أن تعيش حميداً وتقتل شهيداً، وتدخل الجنة؟

فأشرق وجه ثابت بهذه البشرى، وقال: بلى يا رسول الله بلى يا رسول الله. فقال عليه الصلاة والسلام: إن لك ذلك.

خشيته من إزعاج الرسول الكريم بصوته

ولما نزل قوله جل شأنه ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنت لا تشعرون )

تجنب ثابت بن قيس مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم، على الرغم من شدة حبه له، وفرط تعلقه به. ولزم بيته حتى لا يكاد يبرحه إلا لأداء المكتوبة.

فافتقده النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: من يأتيني بخبره؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله. وذهب إليه ووجده في منزله محزوناً منكساً راسه. فقال: ما شأنك يا أبا محمد؟ قال: شر. قال: وما ذاك؟

قال: إنك تعرف أني رجل جهير الصوت، وأن صوتي كثيراً ما يعلو على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد نزل من القرآن ما تعلم، وما أحسبني قد حبط عملي، وأنني من أهل النار.

فرجع الرجل إلى الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وأخبره بما رأى وما سمع. فقال: اذهب إليه وقل له لست من أهل النار، لكنك من أهل الجنة. فكانت هذه بشارة عظمى لثابت ظل يرجو خيرها طوال حياته.

اجتهاده وطلبه الشهادة

وقد شهد ثابت بن قيس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها سوى بدر، وأقحم نفسه في غمار المعارك طلباً للشهادة التي بشره بها النبي.

فكان يخطئها في كل مرة، وهي قاب قوسين منه أو أدنى. إلى أن جاءت حروب الردة التي كانت بين المسلمين وبين مسيلمة الكذاب وجيشه.

رأى ثابت بن قيس يومذاك من تضعضع المسلمين ما شحن قلبه أسى وكمداً، وسمع من تنابذهم ما ملأ صدره هماً وغماً.

فأبناء المدن يرمون أهل البوادي بالجبن، وأهل البوادي يصفون أبناء المدن بأنهم لا يحسنون القتال ولا يدرون ما الحرب. عند ذلك تحنط  ثابت وتكفن ووقف على رؤوس الأشهاد.

وقال: يا معشر المسلمين، ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بئس ما عودتم أعدائكم من الجرأة عليكم، وبئس ما عودتم أنفسكم من الإنخذال لهم.

ثم رفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء من الشرك، يعني مسيلمة وقومه، وأبرأ إليك مما يصنع هؤلاء، يعني المسلمين.

ثم هب هبة الأسد الضاري كتفاً لكتف مع الغر الميامين، البراء بن مالك الأنصاري وزيد بن الخطاب  أخي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم من المؤمنين السابقين.

وأبلى بلاءً عظيماً ملأ قلوب المسلمين حمية وعزماً وشحن أفئدة المشركين وهناً ورعباً.

استشهاده في حروب الردة

وما زال يجالد في كل اتجاه ويضارب بكل سلاح، حتى أثخنته الجراح، فخرّ صريعاً على أرض المعركة، قرير العين بما كتب الله له من الشهادة، التي بشره بها حبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مثلوج الصدر بما حقق الله على يديه للمسلمين من النصر، وكانت على ثابت درع نفيسة، فمر به رجل من المسلمين فنزعها عنه وأخذها لنفسه.

وصية ثابت بن قيس في الرؤيا

وفي الليلة التالية لاستشهاده رآه رجل من المسلمين في منامه، فقال للرجل: أنا ثابت بن قيس فهل عرفتني؟ قال: نعم. قال: إني أوصيك بوصية، فإياك أن تقول أن هذا حلم فتضيعه.

إني لما قتلت بالأمس، مر بي رجل من المسلمين صفته كذا وكذا، فأخذ درعي ومضى بها نحو خبائه في أقصى المعسكر من الجهة الفلانية، ووضعها تحت قدر له ووضع فوق القدر رحلاً.

فإت خالد بن الوليد، وقل له أن يبعث إلى الرجل من يأخذ الدرع منه، فهي ما تزال في مكانها، وأوصيك بأخرى، فإياك أن تقول هذا حلم نائم فتضيعه.

قل لخالد إذا قدمت على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، فقل له إن على ثابت بن قيس من الدين كذا وكذا، وإن فلاناً وفلاناً من رقيقه عتيقان فليقض ديني وليحرر غلاميّ.

استيقظ الرجل فأتى خالد بن الوليد فأخبره بما سمع وما رأى، فبعث خالد من يحضر الدرع من عند آخذها فوجدها في مكانها. وجاء بها كما هي.

ولما عاد خالد إلى المدينة حدّث أبا بكر رضي الله عنه بخبر ثابت بن قيس ووصيته، فأجاز الصدّيق وصيته، وما عرف أحد قبله ولا بعده أُجيزت وصيته بعد موته سواه.

رضي الله عن ثابت بن قيس وأرضاه وجعل في أعلى عليين مثواه. اللهم آمين.

 قناة هاشتاق

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى