الحفريات تحت القدس
الحفريات تحت القدس أوائل القرن الماضي، إنها أكثر الحفريات تحت القدس غرابة في القرن الماضي والتي لم يعد يتحدث عنها أحد في وقتنا الحاضر، وذهبت طي الكتمان بعد أن كانت قد تصدرت الصحف.
في هذا المقال سنعرض مقتطفات من كتاب أندرو لولر الذي بعنوان ( تحت القدس : التاريخ المدفون للمدينة الأكثر تنازعاً في العالم ) والذي سيتم نشره في تشرين الثاني 2021 .
فما الذي يحويه الكتاب الذي قمنا بترجمته حصرياً لموقع ماكتيوبس.
عن كتاب الحفريات تحت القدس في سطور
يتحدث كتاب الحفريات تحت القدس عن أرستقراطي بريطاني يبحث عن تابوت العهد، وقد سبب أزمة في الشرق الأوسط.
كان الفريق مكوناً من أرستقراطي بريطاني، وطبيب نفساني سويسري، وشاعر فنلندي، وبطل إنجليزي للكريكيت، وسويدي.
لا أحد منهم لديه أي تدريب في مجال التنقيب عن الآثار، ووصلت هذه المجموعة إلى القدس عام 1909، عندما كانت المدينة المقدسة لا تزال تحت سلطة الإمبراطورية العثمانية.
سعوا للبحث عن تابوت العهد إلى جانب كنوز الملك سليمان قبل 3000 عام والتي تم إخفاؤها وفقاً للأسطورة.
بدأ كل شيء عندما ادعى الباحث الإسكندنافي Valter Juvelius أنه فك شفرة كتابية سرية تحدد موقع الكنز المقدس المدفون باعتماده على مراجع للكتاب المقدس.
وكان مقتنعاً بأن الكنز موجود في نفق بالقدس، فسافر عبر أوروبا بحثاً عن راعٍ، فوصل الى الإيرل الانجليزي مونتاجو براونلو باركر البالغ من العمر 30 عاماً.
استخدم باركر مكانته ليجمع المال من عدة مستثمرين، فدفعوا ما يعادل 2.4 مليون دولار اليوم لتغطية النفقات.
كانت باركر مقتنعاً أنه سيستعيد أشهر قطعة أثرية مقدسة في العالم، وسيجمع ثروة هائلة من الأواني الذهبية والفضية والأشياء الثمينة الأخرى المذكورة في النص التوراتي.
قدّر أن ثمنها سيصل إلى 200 مليون دولار حينها، فلم يكن البحث عن التابوت مجرد بحث روحي، بل مشروعاً مربحاً.
الموافقة على الحفريات تحت القدس
في القرن 19 كان التنقيب في الحرم القدسي ممنوعاً تماماً من قبل السلطان العثماني المسؤول عن حماية مقدسات المسلمين.
ومع ذلك اعتقد جوفيليوس أنه يمكن العثور على تابوت العهد بالعمل أعلى التل عبر ممرات تحت الأرض، كما كتب أحد أعضاء البعثة لاحقاً.
وهذه الممرات تحت التلال ممتدة جنوب الأكروبوليس، والتي هي موقع المدينة القديمة التي غزاها الملك داود في وقت ما بعد 1000 ق.م.
فهي مراعي خارج أسوار المدينة القديمة وعلى مسافة آمنة من الحرم القدسي، ويلزم فقط اختراق التلال للعثور على النفق الذي يقود إلى كنز الملك سليمان.
سافر باركر إلى اسطنبول وحصل على تصريح حفر مقابل 500 جنيه إسترليني إلى جانب صفقة سرية لتقاسم نصف المسروقات مع المسؤولين العثمانيين.
وفي صيف 1909 وصل الفريق إلى مدينة يافا، وقد ذكرهم المبشر الأمريكي بيرثا سبافورد فيستر بقوله ( لقد كانوا بالتأكيد أغرب علماء الآثار الذين يزورون القدس، شعرت بالفزع من افتقارهم التام للمعرفة الأثرية ).
لم يكن هذا من قبيل المبالغة، لكن تحت ضغط من المغتربين المحليين وافق باركر على منح حق الوصول إلى راهب فرنسي كان عالم آثار لتسجيل اكتشافاتهم.
أكبر حفريات في التاريخ
رغم أن بحثهم ظل سرياً، لكن كان من الصعب إخفاء الحفريات نفسها، إذ قام ما يقرب من 200 عامل بحفر ممرات بارتفاع أربعة أقدام ونصف تحت التلال.
كان العمل متواصلاً ليلاً ونهاراً دون توقف، وقد صادفوا العديد من الممرات القديمة، لكن القطع الأثرية الوحيدة التي عثروا عليها كانت بعض المصابيح اليهودية القديمة المصنوعة من الصلصال.
وبعض الأواني الفخارية الحمراء وعدد قليل من كرات المقلاع المعدنية، ولم تكن هناك علامة على الذهب أو الفضة، ناهيك عن التابوت.
وسرعان ما برد الطقس في الخريف، فحزم باركر وفريقه أمتعتهم وغادروا حتى الصيف التالي، وعندما عادوا اصطحبوا كبير المهندسين في نظام مترو الأنفاق في لندن.
أصيب جوفيليوس بالملاريا فعاد إلى منزله، بينما نفد صبر المسؤولين العثمانيين الذين كانوا يراقبون التأخير في الحفر، وعمل الفريق خلال الشتاء التالي دون حظ أفضل.
بحلول ربيع 1911 لم يتبق سوى بضعة أشهر قبل انتهاء صلاحية التصريح، فقام باركر برشوة الشيخ المسؤول عن الحرم الشريف وجعله يرسل الحراس إلى احتفال العيد خارج المدينة.
ولأول مرة منذ الحروب الصليبية، كان الموقع المقدس عرضة للمتسللين الأجانب، ولمدة تسع ليالٍ لاحقة جرف باركر ورجاله أماكن مختلفة لكن دون جدوى.
وفي الليلة العاشرة، دخل باركر وفريق صغير الكهف أسفل الصخرة المقدسة، بالقرب من مكان المعراج.
كان مقتنعاً بأن هذا هو المكان الواضح للتابوت، حيث ترددت شائعات لتمييز مكان قدس الأقداس المفقود، وهي بقعة لا يتجاوزها إلا مكة والمدينة في القداسة لدى المسلمين.
ماذا سرق باركر ورفاقه
في ليلة 12 أبريل 1911، إما أن أحد السكان قد تعثر بالعمال وهم يقطعون الصخرة أو أن حارساً سمع الضجيج وأطلق ناقوس الخطر.
ملأ سكان القدس الشوارع غاضبين من أنباء تعرض موقعهم المقدس لهجوم مسيحي، فهرب باركر وأصدقاؤه خوفاً على حياتهم، فقفزوا بسرعة في القطار إلى يافا، ومن هناك أبحروا على الفور.
انتشرت شائعات في جميع أنحاء العالم بأن الأجانب قد سرقوا عصى موسى أو ألواح الوصايا العشر أو أي آثار أخرى محتملة.
في 4 مايو كان العنوان الرئيسي في صحيفة نيويورك تايمز ( ذهب بكنز سليمان ) وفي العنوان الفرعي ( الفريق الإنجليزي يختفي على متن يخت بعد الحفر تحت مسجد عمر ) .
وبعد ثلاثة أيام نشرت نفس الصحيفة مقالاً بعنوان ( هل وجد الإنجليز تابوت العهد؟ ) معتقدين أن المستكشفين عثروا على تاج سليمان وسيفه وخاتمه ومخطوطة قديمة من الكتاب المقدس.
في غضون ذلك، خرج المتظاهرون إلى شوارع المدينة مطالبين بالعدالة، فكتب أحد أعضاء البعثة: ( كان هناك هرج مروع، تطلب ضبطهم كتيبتين من المشاة التركية المتواجدين في القدس ).
تم القبض على الشيخ وحاكم المدينة، لكن ذلك لم يهدئ الغضب العام ( المسلمون في غضب ) ( وحساسية جديدة في القدس ) هما عنوانان في جريدة نجمة المساء في واشنطن العاصمة.
وبعض التقارير الإخبارية في الصحافة الأوروبية أشارت إلى أن كارثة باركر قد تؤدي إلى الإطاحة بالحكومة في اسطنبول.
أحداث في البرلمان
في 8 مايو اجتمع البرلمان العثماني في جلسة خاصة، وقدم المشرعون العرب أدلة على أن باشا القدس والقائد العسكري المحلي قد تلقيا رشوة من باركر.
وواجه أحد الوزراء انتقادات شديدة عندما أصر على أن نصيبهم من كنز باركر سيكون كافياً لسداد الدين الوطني بالكامل تقريباً.
في النهاية، تم تبرئة جميع كبار المسؤولين من ارتكاب أي مخالفات، على الرغم من أن محافظ القدس فقد وظيفته.
وحذرت إحدى الصحف الأمريكية من أن البحث عن الكنز من قبل المغامرين المسيحيين ( ربما أثار حرباً مقدسة في جميع أنحاء العالم ).
ولم يكن هذا من قبيل المبالغة، فقد قوبلت الأحداث في المدينة المقدسة بإدانة من القادة الإسلاميين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الهند البريطانية.
وحققت لجنة من المسلمين الهنود في الحادث وخلصت في النهاية إلى أنه لم يتم نهب أي شيء، فتنفس المسؤولون في لندن الصعداء.
العودة إلى يافا
لم يدرك باركر عواقب أفعاله، فعاد في نفس العام لمحاولة ثانية للبحث عن الكنز المزعوم، نصحه أصدقاؤه العثمانيون بعدم النزول في يافا، فأبحر إلى اسطنبول.
لكن الحرب اندلعت بين الإمبراطورية العثمانية وإيطاليا، ولم يكن بإمكان أي رشوة أن تكسبه تصريحاً جديداً.
كانت للحرب الأسبقية على التنقيب عن الذهب، فلم يعد باركر أبداً إلى القدس بعدها، وحادثة عام 1911، إذا تم تذكرها على الإطلاق، تم رفضها في الغرب باعتبارها مهزلة صغيرة.
لاحقاً خدم باركر في الجيش البريطاني في فرنسا وخرج من دائرة الضوء، ولم يتحدث أو يكتب عن مغامرته في القدس مرة أخرى، ومات في عام 1962 .
اقرأ أيضاً… تابوت العهد: البحث عن تابوت العهد المقدس
اقرأ أيضاً… صنم فرنسا – روجيه جارودي | سعد القحطاني
اقرأ أيضاً… ثلاث خرافات عن اسرائيل