قصة الإيمان
تيار عريض من العلماء يرى أن قضية وجود الله من المسلمات البشرية وأن معرفة الله مزروعة في فطرة الناس ولم تكن دعوات الرسل في أصلها من أجل التدليل على وجود الله وإنما من أجل بيان صفات كماله وبيان مايجب أن يتنزه عنه الخالق من صفات النقص
ويذكر جمال الدين القاسمي أنه ثمة رأي بين المتكلمين خلاصته أن معرفة ضرورية في الحقيقة ولا تحتاج إلى نظر وإنما تحتاج إلى إصلاحها وإلى مذكر يوقظ من سنة النوم أو سنة الغفلة عنها كتذكر الموت الذي تقع الغفلة عنه حتى ذكر الله به
إنك ميت وإنهم ميتون ثم أنكم من بعد ذلك لميتون
بناء على ذلك فقد كانت دعوات الرسل لاصلاح فطرة من عرضت لهم الشبهة فيها وفي بعض صفاته وثمة رأي أخر يرى أن معرفة الله
ضرورية من ناحية العقل غير انها استدلال من ناحية الحس لأن الحس يتصفح ويستقرأ
فالله معروف عند العقل بالاضطرار الضروري مستدل عليه بالحس
فمن استدل ترقى من الجزيئات ومن ادعى الاضطرار انحدر من الكليات وييرى رشيد رضا انه ثمة مذهب مذهب يتبناه بعض العلماء والحكماء
خلاصة أن معرفة الله تعالى فطرية في البشر لا حاجة بهم إلى إقامة الدليل عليها واستدلوا على ذلك بأن جميع أصناف البشر
من أرقاهم كالأنبياء والحكماء الى أدناهم كالقبائل المنعزلة في مناطق نائية
كلهم يعتقدون بقوة غيبية وراء الطبيعة سواء منهم من تعلم شيئاً من صفات هذا الخالق ذي القوة
وما يجب له من العبادة ومن لم يتعلم لكن المشروع هو ان كانت معرفة الله فطرية بالفعل فماذا أنكر وجوده من أنكر؟
ولماذا الحد من الحد ؟ وكيف يجمع بين هذا الحال وبين فكرة فطرية الإيمان ؟
يذهب محمد عبده الى ان الذين يذكرون وجود الله قليلون في مجموع البشر وبالتالي فهم من شذ عن القاعدة وهذا الشذوذ له أسباب متعددة فقد يكون من بينها تلك الشبه التي تتسبب بها بعض المعتقدات الدينية
فالتصورات التجسدية والمادية للإله تصور الإله في الأذهان فتولد ردة فعل بحيث تكون الصورة العامة لردة الفعل هذه أنها ضد مبدأ الألوهية وأن كان الأمر في حقيقته كونها ضد التصورات الوثنية للإله وقد يكون من أسباب هذا الشذوذ هي نظريات فكر هؤلاء الضعيفة والخاطئة
فهذه الأفكار هي كالمرض فربما صحت أفكارهم من جهات أخرى غير أنها في هذه النقطة عليلة سقيمة وقد يشكل على بعض الناس وجود أذكياء من بين هؤلاء المنكرين وجواب ذلك بحسب رشيد رضا أن المرض لا يصيب عموم البدن
فبالمرض يطرأ الضعف على الجسم القوي فيعطل بعض أعضائه عن وظائفها ويبقى سائر الجسم قوياً
وكما أننا نرى أن الصفراوي يذوق العسل مراً، والأحول يرى الواحد اثنين، كذلك يُفعل بالعقل فإن العقول تمرض كما تمرض الأجسام فلا تقوم بوظائفها على الوجه الذي تقتضيه الفطرة المعتدلة،
فمرض هؤلاء ومنهم بعض من الأذكياء من العلماء والفلاسفة أصابهم في عقولهم فخرج بهم عن الفطرة المعتدلة بالنسبة لهذه العقيدة
وبحسب عبده فإن مرض الروح والعقل عرض يطرأ على بعض الناس كمرض البدن، فمرض الجسد مهما كثر لا يعد هو الأصل في المزاج وكذلك مرض العقل والروح لا يعاد هو الأصل وإن كثر المرضى به
ولذلك فإن الإنكار والجحود الذي قد يصدر عن البعض لا يمنع ان يكون الاعتقاد بوجود الله أصل في الفطرة البشرية
ولذلك فإن التدين هو حالة عامة لجميع الأمم غير أن هذا لا يعني انها حالة عامة لكل أفراد تلك الأمم بحسب دراز إذ لا تخلو أمة من ذاهلين منشغلين بالحياة عن النظر في حقيقة وجود الله
كما لا تخلو أمة من منكرين ساخرين يحسبون لعبا ولهوا ويتخذون الدين هما وخرافة وهؤلاء هم الأقلون في كل أمة وهم في كل أمة وهم في الغالب من المترفين الذين لم يصادفهم من أزمات الحياة ما يشعر نفوسهم بالخضوع والتواضع وما ينبه عقولهم للتفكر في بدايتهم ونهايتهم
لذلك فهم استثناء من القاعدة التي تقول ان الغريزة الدينية كامنة في فطرة الإنسان وطبيعته كما ان من لا يتزوج ولا هو استثناء من القاعدة التي تقول ان غريزة البقاء موجودة في نوع الانسان
ماسقناه عن فطرية الإيمان هو مذهب يتبناه تيار من العلماء وثمة رأي أخر يرى ان المسألة نظرية وأنه لابد من إقامة البراهين على إثبات وجود الله لأن الانبياء والحكماء قد استدلوا وأقاموا الحجج على ذلك
ويرى رشيد رضا أن الجمع بين المذهبين ممكن، فمسألة الإيمان فطرية في الحقيقة وإقامة الأنبياء والحكماء الحجج عليها هي لإصلاح فطرة من عرضت لهم الشبهة فيها
كما تعرض في غيرها من الأمور الفطرية والضرورية ولإزالة غلط المعتقدين بتلك القوة الغيبية او بالله تعالى في بعض صفاته وفي نسبة المخلوقات إليه
إذ أشركوا به وجعلوا له وسطاء وشفعاء كالملوك الظالمين، لذلك قال الله تعالى: السماوات والارض، حيث أشار أولا الى أن الإيمان به أمر ثابت في الفطرة لا موضع للشك فيه
ثم ذكر بعض صنعه الدال على قدرته وانفراده بالتأثير والتدبير وهو كونه فطر السماوات والأرض
أي شق وفصل بعضها من بعض بعد أن كان الجميع مادة واحدة وبكل الأحوال فطالما أنه ثمة فئة وإن كانت شاذة او مصابة في عقلها
اخطأت في الإيمان فإن الأمر يتطلب اشتغالاً بالأدلة، لذلك فإن الاستدلال على وجود الله ليس جديداً ولا غريباً في أبحاث العقائد
وحتى من لم تعجبه أساليب المتكلمين في الاستدلال فذلك لا يعني أنه يرفض الاستدلال أصلاً، فهذا عبد الحميد بن باديس يقول بعد وقوفه على قول الله تعالى: فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر
السيطرة لا تكون على القلوب ان الإيمان من أعمال القلوب، لذلك لا يكون بالإكراه وإنما بالحجج وبالأدلة
فإن كان الوجود الإلهي الأعلى من عالم الغيب بحسب محمد عبده فإن أثاره في خلقه من عام الشهادة والإشارة لهذه الأثار هو نمط من الاستدلال بها على وجود خالقها
اقرأ أيضاً… عبقريه عمر بن الخطاب
اقرأ أيضاً…الإمام علي – عبقرية الإمام علي رضي الله عنه
اقرأ أيضاً…الدجال – هل هو بيننا الان ؟
قصة الإيمان – قصة الإيمان – قصة الإيمان