إسلامقصص وحكايات

كيف أراد الحسين بن علي استعادة الشورى؟


الحسين بن علي : خطب مروان بن الحكم في أثناء بيعة يزيد بن معاوية، فقال: هذه سنة أبي بكر الراشد المهدي، هنا وقف عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

يفند هذا اللبس في الفهم، ويبري ساحة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ليس بسنة أبي بكر جئتم بها، هرقلية تبايعون لأبنائكم.

يقول الإمام ابن عطية الأندلسي: الشورى من قواعد الشريعة، وعزائم الأحكام، من لا يستشير أهل العلم والدين، فعزله واجب ولا خلاف فيه.

الإمارة هي عقد بين الحاكم والشعب، ولا عقد بلا رضى، ولا رضى بلا شورى، ولا شورى بلا حرية.

الشورى هي مشاركة الشعب للحاكم في القرار والرأي، وترك الشورى ليس عدولاً عن الأفضل، بل عدول عن الواجب.

استعادة الشورى هو موضوع حلقة اليوم، من قصة وفكرة، وشخصيتنا اليوم هو الحسين بن علي رضي الله عنه، الذي ثار من أجل استعادة الشورى.

الحسين بن علي

هو أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب، بن عبد المطلب بن هاشم، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، ريحانته ومحبوبه، وهو ابن ابنة رسول الله فاطمة الزهراء رضي الله عنها.

ولد الحسين بن علي في سنة 4 للهجرة، قال فيه رسول الله: حسين مني وأنا من حسين، اللهم أحب من أحب حسين.

وقال فيه وفي أخيه الحسن: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.

الانقلاب على نظام الشورى

سنتحدث عن موقف عظيم، اتخذه الحسين حين كانت هناك محاولة انقلاب على الشورى، فوقف الحسين للتصدي، لهذا الانحراف في الاتجاه الاسلامي.

كان الحسين معارضاً لبيعة يزيد بن معاوية، وشاركه في المعارضة، كبار العلماء، منهم عبد الله بن زبير وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر.

وكانوا جميعاً حريصين على مبدأ الشورى، وأن يتولى الأمة أصلحها، من الأسباب التي أدت إلى خروج الحسين.

هو قلب الحكم من نظام الشورى إلى الملك، ورأى الحسين في محاولة معاوية، توريث الحكم من بعده، مخالفة واضحة لمنهج الإسلام في الحكم.

ولكنه لم يخرج عن معاوية، ذلك لأنه بايع معاوية بالخلافة، بعد أن تنازل الحسن، وبايع معاوية فظلوا على عهدهما والتزامهما.

ثم مات الحسن في عهد معاوية، وبعد وفاة معاوية، تغير الموقف، فالحسين لم يعد في عنقه بيعة ليزيد، توجب عليه السمع والطاعة.

ويدل على ذلك محاولة والي المدينة الوليد بن عتبة، أن يأخذ البيعة من الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير إلى يزيد.

خروج الحسين من مكة إلى المدينة

فرفض الحسين وأصر الوليد، فخرج الحسين من المدينة، وتوجه إلى مكة، وأسس الحسين موقفه السياسي من حكم يزيد، بناء على نظرته الشرعية.

فقد انعدمت في يزيد شروط العدالة والعلم والاجتهاد، كما أن الحسين كان أفضل منه بمنصب الخلافة، بكل المقومات، وكان أكثر قبولاً لدى الناس من يزيد.

وكذلك لانعدام شرط الشورى في الحكم، وهذا يخالف منهج الاسلام في الحكم، فبدأ الحسين بمراسلة أهل العراق.

فقدمت إليه الوفود من العراق، حتى أنه رأى أن العدد كبير، ويمكن أن يطرح نفسه مرشح رئيسي.

ولكن رأى أن يزيد قد يحاول أن يفرض نفسه بالقوة، فكان يحتاج إلى عصبة تنصره، ولا بد من مقاومة الظلم وإزالة المنكر.

لأن بني أمية خالفوا منهج الرسول عليه الصلاة والسلام، ومنهج الخلفاء، والأمر بالمعروف النهي عن المنكر، والشورى التي جاء بها القرآن.

وبما أن الحسين هو أحد علماء الأمة وسادتها، فهو أحق الناس بتغيير هذا المنكر، وإعادة المنهج الاسلامي في الحكم، إلى مساره الصحيح.

وبعد توافد الرسائل على الحسين رضي الله عنه، أراد الحسين أن لا يخاطر، فقد تتحول الأمور إلى الدماء، وأراد أن يطلع إلى حقيقة الأمر.

فأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب، ليكتب له ما هي أحوال أهل العراق هناك، فهل هم مستعدين فعلاً لترشيحه للخلافة.

بيعة أهل الكوفة لخلافة الحسين بن علي

ووصل مسلم بن عقيل إلى الكوفة، وقدم إليه أهل الكوفة الذين بايعوه مباشرة، وكانوا اثنى عشر ألف، بسرية شديدة.

ومع ذلك وصلت الأخبار إلى يزيد، ولكن كان أهل الكوفة، قد اتفقوا على الحسين، وعدم الموافقة على بيعة يزيد.

فكتب مسلم بن عقيل إلى الحسين: أما بعد فإن الرائد لا يكذب أهله، إن جميع أهل الكوفة معك، فأقبل حين تنظر في كتابي.

فلما وصل الكتاب إلى الحسين بن علي، جهز وعزم على المضي إلى الكوفة، وأخرج معه أهله وخاصته، وخرج معه بعض الشيوخ والعلماء، وبعض مؤيديه.

وقد نصحه بعض الصحابة بعدم الخروج، ليس لأنهم يرون أن يزيد أحق بالخلافة أو أفضل من الحسين، بل لخوفهم على الحسين.

وكان من الذين نصحوه، أخوه محمد بن علي بن أبي طالب، ومن الذين نصحوه أيضاً عبد الله بن عباس وكان قد قال له:

إن كان سيرك بعدما قتلوا أميرهم، ونفوا عدوهم، وضبطوا بلادهم، فسر إليهم، وإن كان أميرهم حي، وهو مقيم عليهم، قاهر لهم وعماله تجبي بلادهم، فهؤلاء إنما دعوك للفتنة والقتال، فوالله إني لخائف أن تقتل، كما قتل عثمان، وكما نساء عثمان وولده.

فحتى عبد الله بن عباس لم يكن ليرى أنه لا يجوز الخروج، عمن استأثر بالخلافة، وانحرف عن الشورى.

وأرسل مسلم بن عقيل تواقيع أهل الكوفة كلهم، بما مجموعه اثنا عشر توقيع، فأخذها الحسين معه في صناديق، وسار بها إلى العراق.

والي البصرة عبيد الله بن زياد

وعندما وصلت الأخبار إلى يزيد، وأن الحسين سيذهب إلى الكوفة، كتب إلى بن عباس، وهو شيخ بني هاشم في عصره، قائلاً:

نحسب أن رجالاً أتوه من المشرق، فمنوه بالخلافة، فإنهم عندك منهم خبرة وتجربة، فاكففه عن السعي في الفرقة.

لكن كان الحسين قد خرج فعلاً، وتسارعت الأحداث، فأنصار الحسين في الكوفة، قد بايعوه، وشعر النعمان بن بشير رضي الله عنه بخطورة الوضع.

وهو من خيرة الصحابة، وكان والياً على الكوفة، فخرج وخطب في الناس محذراً من الفتنة، ولكن بسبب سياسته الهادئة، عزله يزيد من الكوفة.

وعين بدلاً عنه عبيد الله بن زياد، وهو داهية من دهاة العرب، وكان والياً على البصرة، فطلب منه يزيد، إما أن يعتقل مسلم بن عقيل، أو يقتله أو ينفيه.

توجه عبيد الله بن زياد من البصرة إلى الكوفة، وسيطر عليها وجمع المعلومات، واستطاع أن يعرف أخبار مسلم من عقيل، وتحركاته.

وألقى القبض على هانئ بن عروة، الذي كان يأوي مسلم بن عقيل في داره، وصلت الأخبار إلى مسلم بن عقيل.

مقتل مسلم بن عقيل

وهنا عرف أن أمرهم قد انكشف، فاستدعى أنصاره، وقد اجتمع له أربعة آلاف رجل، وتقدم نحو القصر للسيطرة على الكوفة.

لم يكن عبيد الله وحده في القصر، بل جمع معه بدهائه ومكره، قادة الكوفة وطلب منهم أن ينصحوا الجيش القادم مع مسلم بن عقيل، ويثبطوهم.

وكان للنساء دور في ذلك أيضاً، في إضعاف عزيمة الجيش القادم، وجمع الآباء وكبار السن لينصحوا أولادهم.

وبدأ القتال بين الجمعان، فكان أن الجمع الذي حول مسلم بن عقيل، يتفلتون من حوله، فصار وحيداً أمامهم.

واستطاع أن يفر، حتى ألقى عليه عبيد الله بن زياد القبض، وضرب عنقه، وألقي رأسه رحمه الله في أسفل القصر، ثم رموا جسده وراءه.

وقتلوا هانئ أيضاً، وكل الذين أمسكوهم من أنصار مسلم بن عقيل، وكان الحسين لا يدري ما الذي جري، وهو مازال على الطريق، قادماً إلى الكوفة.

خروج الحسين من مكة إلى العراق

خرج الحسين بن علي يوم التروية من مكة، في سنة 60 للهجرة، متوجهاً نحو العراق، ومعه أهل بيته وشيوخ من أهل الكوفة.

وقد انضم إليه آلاف الناس خلال الطريق، يؤيدونه، وأثناء ذلك، اتخذت التدابير في العراق، لمنع استقبال الحسين، ووضعت الحواجز والحراس في الطرق، ومن يفكر في نصرة الحسين يقتل.

فشعر الحسين أن الأمور غير طبيعية في الكوفة، عندما وصلته الأخبار من الأعراب، أن هناك حراس، ولا يخرج ولا يدخل أحد عليها اطلاقاً.

وعندما وصل إلى منطقة شراف، جاءه خبر مقتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، وتخاذل أهل الكوفة عن نصرته.

فوقع الخبر على الحسين وقعاً شديداً، وجمع من معه، وأبلغهم بما حدث، وقال: من أحب أن ينصرف فلينصرف.

فهرب الناس الذين انضموا إلى الحسين أثناء طريقه، وأما الذين بقوا معه قالوا له: ننشدك الله أن ترجع، فإنه ليس لك بالكوفة ناصر.

وهنا قال بنو عقيل أخوة مسلم: والله ما نبرح، حتى ندرك ثأرنا، أو نذوق كما ذاق مسلم، فأصر الحسين بن علي أن يكمل، وانصرف مزيد من  الناس عنه، ولم يبق معه إلا الذي خرجوا معه من مكة.

التفاوض بين الحسين وابن زياد

ولما وصل الحسين إلى كربلاء، وإذ بجيش يقوده عمر بن سعد، تحيط به ويطلب منه التسليم، باسم عبيد الله بن زياد.

فطلب الحسين المفاوضة معه، فالتقوا وقال الحسين: يا عمر، أن مرشح للخلافة، وهذه الصناديق مليئة بتواقيع من أهل الكوفة يبايعونني، فإذا لم يرغبوا بي، أرجع.

فأرسل عمر إلى ابن زياد هذا الحديث، ثم عاد عمر، وقال للحسين، أن ابن زياد مُصر على أن تسلم نفسك.

فقال الحسين: إذاً أعطيكم ثلاث خيارات، الأول أن تتركوني أعود إلى مكة، والثاني أن تتركوني أذهب إلى أحد الأماكن التي فيها قتال، وأجاهد مع المسلمين، والثالث خذوني إلى يزيد في دمشق وأنا أتحدث معه.

ففرح عمر لذلك، فلم يكن يريد أن يقتل الحسين، وأرسل إلى ابن زياد، يخبره بأن الحسين موافق على كل شيء، وعبيد بن زياد أعجبه ذلك.

ولكن ابن جوشن وهو شخص لئيم، قال لابن زياد: لا توفق فهذه حيلة، بل قل له ينزل على قرارك أنت، فإذا وافق أن تصدر القرار فيه، عندها توافق.

فأرسل إلى عمر بن سعد أن الحسين، يجب أن يوافق على قراره، فرفض الحسين بن علي، بأن ينزل على قرار ابن زياد.

فمن هو حتى يتفاوض معه، بل يتفاوض مع مرشح للخلافة مثله، فأصر ابن زياد على الهجوم على الحسين.

موقف أحد قادة جيش العراق

وحدث موقف نسجله لحر هو أحد القادة في جيش ابن زياد، فقال لعمر بن سعد: هل ستقاتل هذا الرجل؟ قال له: نعم سنقاتله قتال الموت.

فضرب الحر فرسه، وانطلق نحو الحسين، وانضم إليه وقال: يا أهل الكوفة، دعوتم الحسين إليكم حتى إذا اتاكم أسلمتموه، وزعمتم أنكم ستقاتلون بأنفسكم نيابة عنا.

ثم تركتموه ليقتل، ومنعتموه أن يتوجه في بلاد الله الواسعة، وحلتم بينه وبني الماء الفرات، بئس ما خلفتم محمداً في ذريته، لا أسقاكم الله يوم الظمأ الأكبر، إن لم تتوبوا وتتراجعوا عم أنتم فيه.

واعتذر هذا القائد الحر للحسين عما حدث، وانضم وقاتل مع الحسين، وعندما لامه بعض الناس قال لهم:

والله أنا أخير نفسي بين الجنة النار، والله لا أختار على الجنة غيرها، ولو قطعت وحرقت.

المعركة التي قتل فيها الحسين بن علي

حدثت المعركة في صباح يوم الجمعة، العاشر من محرم سنة 61 هجرياً، ونظم الحسين أصحابه، وعزم على أن يحميهم.

فلم يكن يقاتل بل كان يدافع، ومعه اثنان وثلاثون فارس، وأربعون راجلين، وفعلاً هجم الجيش، واستطاعوا أن يقتلوا فيهم.

وكان الجميع يحمي الحسين، فلما وصل إليه جيش عمر بن سعد، كان الكل يرفض قتل الحسين، وكلما وصلوا إليه، ابتعدوا، فهو حفيد الرسول عليه الصلاة والسلام.

وعندما رأى ابن الجوشن أن الجميع قد خاف، تقدم وقتل الحسين، وقطع رأسه، وأخذوا الأسرى من بينهم نساء الحسين، وأرسلوهم مع الرأس إلى يزيد.

وممن قتل في المعركة كان أبو بكر بن علي بن أبي طالب، وعثمان بن علي بن أبي طالب، وأبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

فكان المسؤول عن دم الحسين هم أهل الكوفة، وعبيد الله بن زياد الذي أصر على أن يقتله، وتثبيت ملك على حساب دم الحسين، وعمر بن سعد الذي قاد الجيش ضد الحسين بن علي.

يقول بن تيمية عن الحسين بن علي: أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، التي يأمر فيها بقتل المفارق للجماعة.

لا تتناول الحسين فإنه رضي الله عنه، لم يفارق الجماعة، ولم يقتل إلا وهو طالب للرجوع إلى بلده، أو إلى الثغر أو إلى يزيد.

داخلاً في الجماعة معرضاً عن تفريق الأمة، ولو كان الذي طلب ذلك أقل الناس، لوجب إجابته فكيف لا تجب إجابة الحسين؟

تم استغلال هذا الورع والخوف من تفريق المسلمين، وتشتتهم، فسوقوا لفقه المتغلب على الحكم، وجعلوا هذا الأمر هو الأصل، فكانوا شوكة في خاصرة المسلمين، الذين يسعون إلى الحرية والصلاح.

 طارق سويدان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى