الاكتئاب وفلسفة الحل : كنت أمشي في الشارع بجانب حائط كبير، جاء رجل ودفعني عليه فارتطم رأسي به بقوة. أخذ رأسي يؤلمني لعدة أيام.
ومازلت أحس بصداع وألم حتى قررت الذهاب للطبيب، وبعدما فحصني الطبيب كتب لي وصفة دوائية.
استغربت أن الطبيب قد كتب لي الوصفة الدوائية مع أن الحائط والرجل المجهول هما السبب في ألمي.
وجلست أتناقش مع الطبيب لمن يجب أن يكون الدواء، وعن الطريقة التي يمكن أن أشفى بها. وظللت مصراً على كلامي.
وعندما وجدته لن يغير الدواء الذي كتبه، قلت له: حسناً اكتب دواءاً للشخص الذي دفعني، وأنا سأبحث عنه وأعطيه دواءه.
يمكنك أن تستغرب من طريقة تفكيري، وتتهمني بالجنون. لكنك لو مررت بحالة اكتئاب من قبل ستجد نفسك تفعل كما فعلت.
أنت المريض، لكنك في نفس الوقت تتخيل أنك لست من يحتاج الدواء، وليس أنت الذي يحتاج أن يتغير.
بل الذي صدمك بقوة وكسرك هو الذي يحتاج أن يتغير، وترى أن الشخص المجهول من يجب أن يأخذ الدواء ويتغير.
وأن يغير الطريقة التي عاملك بها إلى الأفضل، وبالتالي تتحسن حالتك وتشفى.
خطوات علاج الاكتئاب
التفكير بهذه الطريقة غير منطقي بل وخارج نطاق السيطرة أصلاً. المنطقي والصحيح أن تأخذ أنت الدواء وأنت من يتغير.
والآن دعونا ننظر على وصفة الدواء التي كتبها الطبيب، فيها خمس خطوات لعلاج الاكتئاب، أول خطوة في العلاج هي:
أهمية الاعتراف بالمرض وعدم تجاهله
ما يميز الاكتئاب عن أي مرض آخر، هو أنه يمكن أن يكون لديك اكتئاب وأنت لا تدري.
من طبيعي أن تحزن عندما تفقد عملك أو تفقد مالك أو تخسر أحداً تحبه أو تتعرض لمشكلة ما.
لكن ليس من الطبيعي أن تشعر أن ذلك نهاية العالم، وبسبب التغيرات الحياتية السلبية من الطبيعي أن تشعر بمشاعر سلبية.
لكن لو أن هذه المشاعر ظلت تتكرر يوم بعد يوم وبحجم مبالغ به، فهناك احتمالية كبيرة أنك تعاني من الاكتئاب.
كلما كانت معرفتك بوجوده واعترافك به، كلما كان أسرع حله وإمكانية التحكم به أسهل.
بنفس منطق أمي وهي تغسل الأطباق بعد الغداء، لنتخيل أن أمي طبخت معكرونة لأني أحبها.
إن أسرع طريقة لتنظيف الأطباق أن تغسلها بعد الطعام مباشرة، وكلما تركناها في الحوض كلما التصق بها الطعام وصعب تنظيفها.
لا تنتظر أن يحل الاكتئاب نفسه بنفسه لأن هذا لن يحدث.
وكلما مر الوقت دون أن تحصل على رد فعل عليه و تعالجه، كلما زاد خطورة ويزيد الوضع سوءاً.
فصل الاكتئاب وتحويله من الداخل إلى الخارج
لا تعرف نفسك بمشاعرك الداخلية، فإن كنت تحس باكتئاب لا تقل أنا مكتئب بل قل إن الاكتئاب جاء. هذه طريقة أدق للتعبير عنه.
الاكتئاب ليس داخلك وليس أنت، بدليل أنه ليس معك دائماً.
أقرب تشبيه للاكتئاب مثل حيوان يلازمك، أحياناً يقف بجانبك ويلتصق بك، وهنا تحس بالتعاسة. وأحياناً يبتعد قليلاً وهنا تستطيع التنفس.
وأحياناً يبعد كثيراً لفترة مؤقتة، وهنا أنت تعيش حياتك بشكل طبيعي. وبعد قليل يعود وأنت تعود للإحباط ثانية وهكذا.
وهذه دورة حياة الاكتئاب وغالباً تمر بالحالات كلها، فقط تختلف مدة كل مرحلة ودرجة قرب وبعد الحيوان وشدة المرض وحدته.
وينستون تشيرشل مثلاً كان يرى أن اكتئابه كأنه كلب يربيه، وعندما يشعر بالحزن يقول كلبي وصل، كلبي سبب تعكر مزاجي.
بهذه الطريقة وبعد أن حولته إلى حيوان أليف، سيكون أسهل عليك في التعامل معه وتحجيمه.
الخروج من السجن والتصالح مع الأحداث السلبية
ما رأيك في شخص وهو يمشي قُذفت حجارة عليه، فيتضايق مما يحصل ويجمعها في يديه.فعندما تسأله لم تفعل ذلك؟
يجيبك أنه يسجل أخطاء الناس، وأن كل الحجارة التي يجمعها في جيبه تمثل إثبات ودليل على ما فعله الناس معه.
لكن هل محاولة إثباتك لشيء كهذا تستحق الثمن الذي ستدفعه؟ هل يستحق أن تسير متكتفاً وتحمل وزناً زيادة على وزنك، وتصعّب على نفسك الحركة؟
لكي تسير بخفة في الحياة، تحتاج أن تسامح وتتحرر من هذا السجن.
تصالح مع طفولتك السيئة، تصالح مع الفترة التي ضاعت من حياتك، تصالح مع مشروعك الفاشل. تصالح مع نفسك ومع الغير.
استبدل مشاعر المرارة داخلك بمشاعر الرحمة، هذا أكثر فائدة لك قبل أن يكون مفيداً لأحد آخر. وابحث للناس على أعذار.
الموضوع واضح جداً الآن، لم يكن بذات الوضوح سابقاً. مثل فتاة دفعها أبوها أن تتخذ قراراً، وتأذت كثيراً بسببه.
ففي عقلها تلوم أباها على القرار الذي أجبرها عليه، ومحبوسة داخل المشكلة بتعاسة، وبعد نهاية الموضوع، تنظر إلى الماضي بنظرة الخبير.
وكأن كل شيء كان واضحاً وأنه تعمد بمنتهى الشر أن يفعل ذلك. في حين أنه غالباً تصرف بقدر خبرته بالحياة.
من الطبيعي، لأننا بشر، أن نخلق الفوضى من حولنا، أحياناً تكون ضدنا وأحياناً تكون معنا.
تصالح مع وجود الفوضى في الحياة، وتصالح مع كل ما يحصل.
المنظور السلبي وتأثيره على احترام الذات
أصعب ما يمكن أن يواجهه من يمر باكتئاب، هو أن عقله يحاربه، يحارب ضد نفسه ويقنعه بالأفكار السلبية وكأنها الحقيقة.
لو أني لدي اكتئاب فإن عقلي سيدفعني لأرى ويقنعني كم أني لست جيداً، وأني لست مرغوباً بي.
سيضع على عيني نظارة تريني من منظور سلبي كل شيء. وستكون مثل المصفاة لن ترى نجاحاتي وستظهر لي فشلي فقط.
وهذا سيجعلني أرتاب وأشك بنفسي وقدراتي، وأصل إلى استنتاجات كلها تصب في تقليل ثقتي بنفسي، وتؤثر على إحساسي بقيمتي الذاتية.
وهذا سيسيء لحالتي أكثر ويعمق إحساسي بالاكتئاب أكثر وأكثر. ومن ممكن أن أسلم بعدم تقديري لذاتي، وكأن ذلك منطقي.
وأنا أستحقه لأني لن أحقق شيئاً، أنا هنا أصل لاستنتاجات عن نفسي وأراها منطقية جداً لكنها ليست منطقة ابداً.
عدم تقدير الذات ليس سببه الفشل، هناك أشخاص كثيرون أكثر فشلاً منك، ولا يرون أنفسهم كذلك. عدم تقدير الذات سببه الوحيد هو الانتقائية السلبية، أنت تختار السلبي وتراه هو فقط.
القيمة الذاتية ليست حقيقة وإنما مجرد وهم، وكل الناس يتخيلونه عن أنفسهم مجرد تصور.
وهذا التصور كلما زاد لديك وقاومت المنظور السلبي له كلما زادت فرصتك في مقاومة الاكتئاب وزادت فرصتك في الخروج منه.
حتى تتغلب على الاكتئاب يجب احترام الذات وبناء الثقة بالنفس.
ابحث عن الإيجابيات في حياتك
حاول أن تتذكر الأشياء التي قمت بإنجازها. كن واعياً بأن الاكتئاب هو الذي يدفعك لأن تتناسى إيجابياتك التي قمت بها.
العزلة وخطرها وتأثير الدعم على حالة الاكتئاب
الاكتئاب سيقنعك بمنتهى المنطقية أن انطوائك وعزلتك عن الناس هي أفضل حل لك. ويجعلك تظن أنك لا تهم الناس أصلاً.
وممكن أن يقنعك أنك حزين فإذا جلست معهم ستجعلهم مثلك. يمكنه أن يقنعك بأي شيء بهذه الطريقة.
وبعد كل الأفكار هذه عندما يأتي أحدهم يعرض عليك الخروج، أو يبدأ الكلام معك ستجد أن أنسب رد فعل عليه، أن تهرب راكضاً لتختبئ في كهفك.
حاول بكل طاقتك أن تدفع نفسك وسط الناس
اذهب بحزنك إذهب بتعبك، المهم أن تخرج. الخمول مستنقع كبير، لا ينمو فيه سوى الأفكار السلبية التي تسيء لحالتك أكثر.
لا تنتظر الناس أن يتواصلوا معك، تواصل أنت معهم وابدأ. اترك مساحة لهم ليقتربوا منك، ويمكنك مشاركتهم مشاكلك ويشاركوك دعمهم.
وحتى لو لم ترد أن تفعل ذلك ليس مهماً، لا تشارك. دع نفسك في وسط مجموعة في أي صورة ممكنة.
وهذا سيعطيك دعماً إيجابياً وإحساس بأنك مقبول ولست مرفوضاً. وهذه الطاقة ستساعدك كثيراً في مواجهة الاكتئاب نفسه.
الحركة وكسر حلقة عدم التغير الملازمة لمرض الاكتئاب
الاكتئاب يجعل عقلك يحاربك أيضاً يجعل جسمك يحاربك، يصبح لديك إحساس بأنك لا تملك طاقة كافية لتقوم بالأنشطة اليومية.
وتشعر كأنها جبل وحمل كبير لن تقدر على إزالته. والحل هنا أنك تركز على نشاط على حدة.
النشاط الصغير الذي ستفعله الآن، لا يجب أن تحسب في عقلك نشاط اليوم كله، وتعامل مع نفسك بالتدريج.
حاول أن تخرج خارج البيت، ولا تقضي وقتك كله في الداخل. لأن هذا سيقلل شعورك بالعزلة.
أيضاً الاكتئاب يخلق دائرة ليس فيها أي إحساس بالزمن، يجعل الحدود بين الأيام تختفي ويذيب الأيام ببعضها.
إحساسك بعدم التغيير والثبات سيجعلك تشعر بالاستسلام والإحباط، وهذه المشاعر السلبية تتغذى على نفسها وتكثر عندما تتركها وستزيد اكتئابك كثيراً.
تستطيع أن تكسر هذه الدائرة، بأن تحاول أن تقوم بأي نشاط أو شيء جديد، حتى لو بسيط كل فترة.
الخروج من الاكتئاب يشبه المشي في رحلة طويلة. لن تصل مباشرة، لذا لا تتوقع أنك ستتعافى بسرعة.
لأنك لو ركزت في عدد الخطوات يمكن أن تشعر بالعجز أو تشعر بكبر الموضوع. ركز فقط في الخطوة الأولى وربك سيسهل باقي الخطوات والسلام.